نهاية حلم .. بداية أمل | رياض العربي

نهاية حلم … بداية أمل | رياض العربي

أسوار المجتمع العالية تحيط بسجن التقاليد البالية هذا المجتمع القاسى الذى لا يقيم للحب وزنًا ، و لا يفهم للوفاء معنى .


كنتُ سجينًا هناك … بعيدًا فى الصحراء الجرداء المليئة بالأشواك و الأشجار العقيمة ، مقيدًا بالأغلال و السلاسل فى إحدى الشجيرات ، لا أرى إلا ظلمة اليأس ، و موت الأمل ، و ضيعة الحياة بعدما نالت منى الصحراء و حرارتها و أذقتنى أشد العذاب …….
جاء صوتها العذب ، صوتًا كالسحر كأعذب الألحان و أرق الأصوات ،
كصوت البلابل ، فى أرض لا تنبت إلا الشوك و الحنضل ……
أيهذا المحب المعذب …
إنى هنا ، التفتُ لمصدر الصوت الذى أثار النشوة داخلى و تسرب إلى أعمق أعماق نفسى ، أفقتُ من ذهولى ، و تلفتُ مندهشًا ، كيف لصوت رقيق كهذا أن يتواجد فى قلب القسوة ، أيثمر النعيم فى قلب الجحيم .
على بعد مسافة رأيتها تقف كآلهة الإغريق ، وجهها يشع نورًا و عيناها تتلألأ ، جدال شعرها تنساب على كتفها و خصرها .
فى ظل دهشتى و ذهولى قالت و هى ترمقتنى بنظره فاتنة

اقترب … لترى أكثر .
فى مثل خفقة قلب أو غمضة عين ، مات اليأس ، و ولد الأمل ، انتهت حياة … لتبدأ حياة أخرى .
مثل الطوفان الهادر اندفعتُ إلى الأغلال و حطمتها و إلى السلاسل ففتحتها ، ثم انطلقتُ أعدو بسرعة ، رغم شعورى أنى ما زالتُ فى مكانى
و عيناى مشدودتان إلى لعيون تلك الفاتنة ، فقطعت من الطريق ما استطعتُ أن أقطع ، و أنا فى غاية التعب و قبل أن تخور قواى وتخوننى قدماى ، و الفاتنة ما زالت تقف فى مكانها لا تتحرك
بدأتُ أتراقص يمينًا و يسارًا من شدة التعب ، فحمل النسيم صوتها العذب الجميل ، و كان هذه المرة أكثر وضُوحًا و رقة :

ما زلت بعيدا أيها الشاب ، اقترب أكثر منى .
أعادت كلماتها الرقراقة النشاط إلى ، فانطلقتُ أعدو نحوها من جديد ، فى طريق ليس به إلا الرمال و الأشواك .. كنتُ أسمع صوت ضحكات ساخرة لم أستطع تحديد مصدرها و لا ممن تصدر
صرتُ على بعد خطوات منها ، رفعتُ رأسى لأتفحصها فوجدتها أكثر جمالًا و أكثر فتنة ، يترقرق فى وجهها العطر ، بيضاء ، أسيلة الخد ، دقيقة الأنف ، ممشوقة الجسم ، نافرة النهد ، ينمو الكريز على شفتيها ، فتقطر شهدًا و تنطق شهوة ، يفرز جسدها عبقًا حانيا وتتحدث عيونها بغير لسان
ما أروعها و ما أجملها !
اقتلعتُ قدماى من الرمال ، و نظرت ثانيةً ، و كنتُ أنا و الشمس فكشفت لى كل شيء بوضوح ، فرأيتُ بجوارها طفلا ، ما أبهى منظره ! ، و ما أحسن صورته ! قريب الشبه منها ، بل هو من نفس معدنها ، معدن الفتنة والجمال ، يحمل بين يديه آنية صغيرة وقوس و يحمل على ظهره كنانة بها بعض السهام ، فبدا كأنه كيوبيد إله الحب .
توقفتُ مكانى ، و قدماى تغوص فى الرمال ، اضطربتُ لأن الضحكات الساخرة تزداد ، استدرتُ و نظرتُ خلفى فلم أرى سوى أنهر العرق التى نزفها جسدى على الرمال ، و أسراب الدماء التى تخضبت بها الرمال و تركتها قدماى من أثر سيرى فوق الأشواك .
و عند النهاية رأيتُ الأغلال و السلاسل التى كنتُ مقيدًا بها ارتسمت على شفتاى ابتسامة مريرة ، و رُسم على وجهى الرضا … نظرتُ مرة أخرى للفتاة فرأيتُ ثغرها العنقودي يبتسم ابتسامة جميلة ، ابتسامة تحمل معنى الحب و الشوق و اللهفة ، و سمعتُ صوتها العذب و هو يهمس لى همسا رقيقا حانيا ، و قد بسطت يدها لإستقبالى :

تعالى … تعالى أيها الشاب المحب ، أيها الحبيب السجين
تجدد الأمل و تبددت الظلمة …نسيتُ آلامى و عرقى و دمائى ومددتُ إليها يدى ، فأخذت الآنية من كيوبيد ، و أعطتها لى وقالت :

هيا يا حبيبى أروى ظمأك ، هيا اشرب من كأس الحب و ارتو
أمسكتُ بالآنية كالذى وجد ضالته و فتحتها و قبل أن أضعها على فمى ، انبعث منها رائحة جميلة ، كأنما قد ترقرقت فى ماء الجمال ، فهممتُ لأنهل منها و أروى ظمأى …
و إذا فجأة …..
سمعت صوت صرخة تشق عنان السماء ، رفعتُ رأسى لأستطلع الأمر ، فنظرتُ إلى حيث تقف الفتاة ، و فى طرفه وجدتها قد طرحتُ أرضًا ، و جسدها مُخضب بالدماء ، و تئن من شدة الألم ، ألقيتُ بالآنية من يدى ، و أسرعت لأنقاذها فاقتربت منها و أخذت أدقق النظر ، شهقتُ من شدة المفاجأة فقد كانت الفتاة هى حبيبتى ، أسرعت لإنقاذها ، لكن صوت الضحات تزايد ، فنظرت لأعلى ,,,
فجأة ….
رأيتُ خلفها مجموعة من الرجال يضحكون بسخرية ، و يتقدمهم رجل سمين ، يرتدى نظارة و فى يده القوس الذى كان مع كويبد ، الذى بحثتُ عنه فوجدته جثة هامدة بجوار حبيبتى .
استيقظتُ من نومى مفزوعًا من هذا الحلم المخيف و نظرت حيث الفراغ من حولى فوقع نظرى على صورتها تبتسم لى نفس ابتسامتها التى تعودتُها منها … نظرتُ لها فى اشتياق ، أعلم أنها الآن ليست لى ، أشعر بها فى آياد أخرى غير يدى ، و بدأتُ أحدث صورتها المبتسمة :

أحبك ، هل تعرفى ماذا تعنى لى كلمة أحبك ؟
بعدك لم تزورنى ضحكة الصافية
ولا إحساس صادق ، المرارة طعم الحياة من بعدك
أحس بك فى كل أفعالى ، أتخيلك فى كل وجه أقابله
أحبك و لا أستطيع أبعاد طيفك عن عينى ولا خيالك عن تفكيري ..

عن اختيارات المحرر

اختيارات المحرر