بعد وثيقة المدينة التاريخية: كم مرة شارك اليهود النبي في حروبه ضد الكفار
كانت طوائف قليلة من اليهود تقيم بجوار قبيلتي الأوس والخزرج اليمانيتين في “يثرب”، التي سماها الرسول بعد الهجرة “المدينة المنورة” وسمى أبناء الأوس والخزرج بالأنصار، لمناصرتهم للنبي في تبليغ
وقد وضع النبي محمد صلى الله عليه وسلم حال وصوله المدينة مهاجرا من مكة، مع اليهود الذين في المدينة وما جاورها والقبائل العربية الأخرى، معاهدة وميثاق ” وثيقة المدينة” في التعايش المشترك والحماية والمناصرة، وكل يبقى على دينه ومعتقداته يمارسها بمطلق الحرية.
ومن بين نصوص الوثيقة التي اتفق عليها الجميع. بنود المناصرة والحماية، والتي تقتضي أن يقف الجميع صفا واحدا ضد أي اعتداء أو تهديد يطال أحدهم.
وقد اتفق الجميع على حماية المدينة ونصرتها، وقد تعرضت المدينة لهجوم من كفار قريش ومن غيره، كما جرى في غزوتي أحد والأحزاب.
إذن بعد وثيقة المدينة التاريخية: كم مرة شارك اليهود النبي في حروبه ضد الكفار، وهل دافعوا فعلا عن المدينة وفقا للوثيقة؟.
في البداية ما هي نصوص وثيقة المدينة؟.
بنود وثيقة المدينة
- ( بسم الله الرحمن الرحيم . هذا كتاب من محمد النبي بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس .
- وأن المؤمنين لا يتركون مغرما (ثقيل الدين) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل، وألا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه .
- وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة (كبيرة) ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وأن أيديهم عليه جميعا ولو كان ولد أحدهم. ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن، وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض من دون الناس، وأنه من تبعنا من يعود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم .. وأنه لا يجير مشرك مالا لقرشي ولا نفسا ولا يحول دونه على مؤمن ..
- وأنه لا يحل لمؤمن أقر ما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر محدثا (مجرما) ولا يؤويه ..
- وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ..
- لليهود دينهم وللمسلمين دينهم- مواليهم وأنفسهم – إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ (يهلك) إلا نفسه وأهل بيته .
- وأنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد، وإنه لا ينحجز على ثأر جرح . وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم .
- وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وأنه ما كان من أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله ..
- وأنه لا تجار قريش ولا من نصرها، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، إلا من حارب في الدين .
- وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم، وأنه من خرج أمن ومن قعد أمن بالمدينة إلا من ظلم وأثم ) .
معلومات عن اليهود في جزيرة العرب
أولا يهود المدينة:
- كان يهود المدينة ثلاث طوائف : بني قينقاع ، وبني النضير ، وبني قريظة .
- قال ابن القيم رحمه الله في كتاب زاد المعاد :” صَالَحَ النبي صلى الله عليه وسلم يَهُودَ الْمَدِينَةِ ، وَكَتَبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ كِتَابَ أَمْنٍ ، وَكَانُوا ثَلَاثَ طَوَائِفَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ : بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَبَنِي النَّضِيرِ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ.
- وكان عددهم بالنساء والذرية عدة آلاف.
اليهود خارج المدينة
- كان هناك من اليهود من يسكن جزيرة العرب في غير المدينة :
- فكانت منهم طائفة بـ ” فدك ” وهو حصن قريب من خيبر على ست ليال من المدينة، و” تيماء ” وهي قرية على ثمان مراحل من المدينة ، و” وادي القرى ” وهو واد بين الشام والمدينة ، و ” دُومة الجندل ” وبينها وبين المدينة خمس عشرة ليلة ، و” خيبر” وهي مدينة عظيمة ذات حصون ومزارع ، على ثمانية بُرُد من المدينة إلى جهة الشام.
- وكان عددهم بالآلاف في تلك المناطق ، وخاصة في خيبر ، فإن عددهم فيها كان كبيرا ، قيل : كانوا عشرة آلاف مقاتل
ثالثاً: سبب قدوم اليهود إلى المدينة
كان كثير من اليهود أول الأمر بجزيرة العرب يسكنون المدينة ، وسبب ذلك أنهم كانوا يعرفون من كتبهم بقرب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. وكانوا يعرفون أن المدينة هي مهاجره ، وكانوا يطمعون أن يكون منهم ، وليس من العرب ، فارتحلوا من الشام وغيرها إلى المدينة.
كم مرة شارك اليهود مع النبي في حروبه ضد الكفار؟
- لم يشارك اليهود النبي صلى الله عليه وسلم في حرب من حروبه ضد الكفار، سواء كان ذلك دفاعاً عن المدينة أو خارجها. بل كانوا في الطرف الآخر مع أعداء الإسلام والمسلمين رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم عاهدهم عندما قدم المدينة وكتب بذلك الوثيقة المشهورة بينهم وبين المسلمين من جهة وبين فئات المسلمين وأهل المدينة عامة، على أن عليهم جميعاً أن يدافعوا عن المدينة، كما ذكر ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق.
- ففي البند الحادي عشر من هذه الوثيقة: إن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
- ومع ذلك لم يقم اليهود بالتزاماتهم وضاقوا ذرعاً بقبول عرب المدينة للإسلام وانتشاره بينهم، وعندما انتصر المسلمون على قريش في بدر لم يخفوا كراهيتهم لذلك الانتصار، وأصبحوا يهددون ويتوعدون المسلمين، ويقولون لهم: لا يغرنكم أنكم لقيتم قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبتم فرصة… وإنا والله إن حاربنا لتعلمون أنا نحن الناس.
- وقد أظهر اليهود حقدهم على المسلمين عندما قدمت امرأة من العرب بجلب لها إلى سوق بني قينقاع، فأرادوا أن يكشفوا عن وجهها فامتنعت فاحتالوا عليها حتى كشفوا عورتها فاستنجدت برجل مسلم كان في السوق فقتل الفاعل، فكان ذلك نقضا لعهدهم وسببا لنشوب الحرب بينهم وبين المسلمين.
- ولم يشتركوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة من غزواته قبل ذلك عندما كان العهد قائماً
مواقف تظهر نقض اليهود لوثيقة المدينة
إن عداوة اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم لا عجب فيها، فحالهم مع أنبيائهم، فريقًا كذبوا وفريقًا يقتلون، ومن ثَمّ لا غرابة أن يكذبوا ويعادوا ويتطاولوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ويحاولوا قتله.
أما مواقفهم ومؤامراتهم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين في المدينة فكثيرة، نشير إلى بعضها:
1- إساءة الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
- كان اليهود يسيئون الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضرته وأثناء خطابه، فكانوا يحيونه بتحية، في باطنها الأذى والحقد عليه صلى الله عليه وسلم؛ مما يدل على خبثهم وسوء أخلاقهم وبغضهم الشديد لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
- عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (جاء ناس من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السَّامُ (الموت) عليك يا أبا القاسم. فقلت: السام عليكم، وفعل الله بكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مه يا عائشة؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش». فقلت: يا رسول الله، ترى ما يقولون؟ فقال: «ألست تريني أرد عليهم ما يقولون وأقول: وعليكم» (رواه البخاري). قالت: فنزلت هذه الآية في ذلك، وهي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [المجادلة: 8].
2- تفكيك الجبهة الداخلية للمسلمين:
- ولقد حاول اليهود -كعادتهم- تصديع وتفكيك الجبهة الداخلية للمسلمين، فهذه إحدى وسائلهم الخبيثة -قديمًا وحديثًا- في حرب الإسلام، وذلك بإثارة الفتن الداخلية، والشعارات الجاهلية، والدعوات القومية والقبلية، والسعي بالدسيسة للوقيعة بين المسلمين.
- روى الطبري في تفسيره: أن شاس بن قيس اليهودي، كان عظيم الكفر شديد العداوة للمسلمين، مرّ يومًا على نفر من الأنصار من الأوس والخزرج في مجلس يتحدثون، فغاظه ذلك حيث تآلفوا واجتمعوا بعد العداوة، فأمر شابًّا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكّرهم يوم بُعاث، وينشدهم ما قيل فيه من الأشعار، وكان يومًا اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس، ففعل، فتشاجر القوم وتنازعوا، وقالوا: السلاح السلاح..!
- فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين والأنصار، فقال: «أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ أكرمكم الله بالإسلام، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، وألف بينكم». فعرف القوم أنه نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم، فألقوا السلاح وبكوا وعانق بعضهم بعضًا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان يوم أقبح أولاً وأحسن آخرًا من ذلك اليوم، وأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 99].
3-غدر اليهود ونقضهم العهود مع الرسول:
- لما انتصر المسلمون في غزوة بدر، اغتاظ اليهود في المدينة بشدّة، فكان يهود بني قينقاع يسخرون من المسلمين، ويقللون من شأن انتصارهم يوم بدر، وقام شاعرهم كعب بن الأشرف بحملة عدائية ضد المسلمين، وأخذ يبكي بشعره قتلى بدر من المشركين، ويحرض قريشًا على الأخذ بثأرها، ومحو عار هزيمتها.
- وتمادى يهود بنو قينقاع في شرهم، فاعتدوا على امرأة مسلمة، دخلت سوقهم لتبيع مصاغًا لها، فأحاط بها عدد من اليهود وآذوها، وطلبوا منها أن تكشف عن وجهها، فأبت، فعقد الصائغ ثوبها إلى ظهرها وهي لا تشعر، فلما قامت تكشفت فضحكوا عليها، فصاحت واستغاثت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله، فتجمع اليهود على المسلم فقتلوه، فلم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدًّا من غزو هؤلاء الخائنين، وقد نقضوا العهد الذي بينه وبينهم بهذه الفعلة النكراء، فحاصرهم خمس عشرة ليلة، ثم فكّ الحصار عنهم وأجلاهم عن المدينة بعد أن أخذ أسلحتهم، فارتحلوا مخذولين إلى حدود بلاد الشام.
- ولم يتعظ من بقي من قبائل اليهود بما حدث لإخوانهم من بني قينقاع، وراحوا يمارسون هوايتهم وطبعهم في المكر ونسج المؤامرات، وازدادت جرأتهم بعد غزوة أحد، حتى وصل بهم الأمر أن خططوا لمؤامرة تهدف إلى التخلص من النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك عندما خرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من يهود بني النضير مساعدته في دفع دية رجلين قتلهما أحد المسلمين خطأً، وكان ذلك يجب عليهم حسب بنود المعاهدة التي بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فتظاهروا بالموافقة، لكنهم بيّتوا الشر، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس بجوار جدار أحد بيوتهم ينتظر وفاءهم بما وعدوا، وخلا بعضهم إلى بعض، واتفقوا على أن يلقى أحدهم صخرة كبيرة على النبي صلى الله عليه وسلم من فوق ذلك البيت فتقتله..
- فنزل جبريل -عليه السلام- من عند رب العالمين، وأخبره بما هَمَّ به أولئك الخبثاء من غدر، فقام النبي صلى الله عليه وسلم مسرعًا، وتوجه نحو المدينة، ولحقه من كان معه من أصحابه، وعندما تأكد للنبي صلى الله عليه وسلم إصرار هؤلاء اليهود على الغدر، وتآمرهم وحقدهم على الإسلام، اتخذ قراره بإجلائهم عن المدينة.
4- عداوة اليهود للرسول وللمسلمين
- لقد شن اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم قديمًا وحديثًا حملات إعلامية لتشويه صورته، وتنفير الناس منه ومن دينه ودعوته؛ لشعورهم بخطورة هذا الدين على مصالحهم، وعلى عقيدتهم المنحرفة القائمة على الاستعلاء واحتقار الناس عدا الجنس اليهودي
- فقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي بعقيدة التوحيد وهم يقولون: عزير ابن الله، وجاء ينادي بالمساواة وهم يرون أنهم شعب الله المختار، ومن ثَمّ كثرت مواقفهم ومؤامراتهم الخبيثة؛ لمحاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم، والقضاء على الإسلام في مهده الأول في المدينة المنورة.. هذه المؤامرات تتكرر بين الحين والحين، وتتغير أشكالها بتغير الزمان والمكان، لكنها لا تتوقف، ولن تتوقف، فقد أوضح الله تعالى للمسلمين أن عداوة اليهود لهم أبدية، لا تقبل التغيير، ولا تتحول إلى المسالمة والمحبة إلا إذا ارتد المسلمون عن دينهم، فقال تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].